ظللت الكوميديا، مساء أمس، عرضي اليوم الخامس لمهرجان فلسطين الوطني للمسرح، وتنظمه وزارة الثقافة الفلسطينية والهيئة العربية للمسرح، على خشبتي المسرح البلدي بدار بلدية رام الله، ومسرح قصر رام الله الثقافي، حيث تناول الأول العلاقات الزوجية، فيما اقتحم الثاني عوالم المقيمين في مستشفى للأمراض النفسية والعقلية، حيث اعتلت القهقهات، كما سادت هزات الرؤوس إعجاباً، ووقف الجمهور الذي ملأ الجزء الأكبر من صالتي العرضين، احتراماً للعرضين، امتزج بموجة تواصلت من التصفيق.
العرض الأول كان بعنوان "دعوة زوجية" لمركز القلعة لفنون المسرح من الناصرة، من إعداد وإخراج وسينوغرافيا وسيم خير، وتمثيل محمود مرّة، وأميمة سرحان، وتميز كلاهما بأداء لافت، كان تلقائياً وعميقاً في الوقت ذاته، فيما كان لمساحات صوت سرحان الشاسعة إضافة إيجابية للعمل، الذي تحدث عن المشاكل الزوجية التي هي جزء أساسي لضمان استمرار العلاقة بين طرفي العلاقة المعقدة، ومنها: مشاكل نسائية، ورجالية، وعائلية، وبديلة، وغيرها.
والمسرحية التي مست الكثير من جمهور الدورة الأولى للمهرجان، وخاصة الأزواج منهم، اعتمدت شيئاً من تقنيات المسرح التفاعلي، عبر الخطاب المباشر مع المتلقي، في عديد الأحيان، لإدخاله في تفاصيل العمل منذ التأهيل والترحيب، وانتهاء بمحاولة نصب محاكمة جماهيرية تنصف الزوج أم الزوجة، وهو بهذا يأتي على تخوم مسرح المضطهدين، ولا ينسل تحت عباءاته.
العمل الثاني "خوش بوش" لفرقة مسرح عكا، قدم أفكاراً جريئة تختلف عن الأنماط التقليدية المتعارف عليها في العروض المسرحية، ولم يقتصر على تناول اقكار معينة، بل تعمق في انعكاسات قضايا سياسية و فكرية و حتى دينية، عبر اقتحام عالم "المجانين" في مستشفى للأمراض النفسية والعقلية، حيث تقدم ميسرة مصري معد ومخرج العمل عبر نزلاء المستشفى صوراً من الحياة والصراعات الاجتماعية والسيكولوجية عن الحب، والأمل، والتيه، ببعد فلسفي وتنظيري ذاب في كوميديا راقية، جسدها على الخشبة كل من: كامل روبي، وإيهاب خاسكية، وعلي علي، وفؤاد عابد، ورامي زيدان، وعلي أسدي، وصفاء حتحوت.
وعلاوة على ما تضمنته مسرحية "خوش بوش" من مشاهد بل لوحات كوميدية، كانت تلك الأغنيات أو المشاهد الغنائية التي ركبت بعض كلماتها بشكل ساخر على أغنيات شهيرة كـ"ع الندّا" للشحرورة صباح، قدمت بطريقة جميلة وساحر، أضافت لأداء الممثلين الذي من الصعب التصديق بأنهم مجموعة من الهواة، ذلك الأداء الذي قدم بصورة عفوية بعيدة عن الاستسهلال، والاستهتار بالمتلقي، وهو ما جعل العمل راقياً رغم بساطة الفكرة والنص، ليقتحم الممثلون كما الجمهور أسوار المستشفى في إحالة رمزية إلى أسوار عكا التي قدمت منها الفرقة إلى رام الله للمشاركة في منافسات العروض المسرحية للمهرجان الذي جمع الكل الفلسطيني في دورته الأولى، ما بين الضفة الغربية بما فيها القدس العاصمة، والداخل الفلسطيني، وقطاع غزة الذي حال الاحتلال دون مشاركته بعرض "الحرب والسلام" لفرقة "مسرح للجميع"، في تعسف عنصري بسياسة استصدار التصاريح التي بات يتعاطى الاحتلال معها كسياسة عقاب جماعية تسعى لعزل المثقف والمبدع الفلسطيني عن عمقه العربي.
ونسخة "خوش بوش" للعام 2018 فيها تجديد عن النسخة الأولى للعمل الذي حمل الاسم ذاته، وكانت انطلاقته في العام 2012، ففي السابق كان العمل يقوم على مجموعة "اسكتشات" مسرحية، وبينهما روابط كانت بمثابة جسور للعبور من لوحة إلى أخرى، أو مشهد لآخر، لكن ما باتت عليه المسرحية وفق رؤية المخرج ميسرة مصري شكلت "نقلة نوعية" بالنسبة للمسرحية نفسها، والعاملين فيها، وقدمت شكلاً مغايراً في المسرح الفلسطيني لربما.